بحث مخصص

الجمعة، 22 أغسطس 2008

أيامى الحلوة : عبد الرحمن الأبنودى


اخترت اليوم كتابا من أروع ما قرأت وهو كتاب " أيامى الحلوة " للرائع عبد الرحمن الأبنودى والذى يسرد فيه مقتطفات من طفولته فى قريته أبنود فى صعيد مصر .
ويعرض فيه دون مواربة أو تجميل تجارب طفولته بحلوها ومرها والتى صهرته وأنضجته وخلقت منه ذلك الشاعر .

وسنبدأ الآن بالاهداء والمقدمة ونتبعها برابط الكتاب



اهداء

حين تكبر – آية ونور – سوف تكون مهمتهما صعبة فى المزع على قريناتهما بأنهما من نفس طبقتهن ، لأنى فى هذا الكتاب أحاول أن أفسد عليهما الأمر .

لا أظن أبدا أننى سأنجح اذا حاولت إقناعهما بأن ( أيامى الحلوة ) تصلح مادة للفخر فى هذا المجتمع المادى – جدا – الذى تعيشانه . ولكننى – والى أن أرحل – سوف أظل مدينا لقريتى " أبنود " وسوف أظل أشكر الأقدار على أن وهبتنى تلك الطفولة الفنية التى قد يراها البعض فقيرة وقاسية ومعذبة .

سوف أظل مدينا لتلك الطفولة أن جعلتنى ذلك الذى يخط تلك الأقوال وهذه الأحرف الآن .

فإليهما : إلى طفلتى الحبيبتين : " آية ونور "

وإلى " نهال كمال " زوجتى التى كنت أكتب ذلك أسبوعيا ، فقط لتبتسم .

وإلى قريتى " أبنود " وأهلها ، عشقى الأول والأخير .

وإلى جريدة الأهرام ، والأستاذ : محمد زايد رئيس تحرير ملحق ( أيامنا الحلوة )

الأبنودى 3 يوليو 2002


مقدمة :

أيامى الحلوة

ما كنت أعتقد أن هذه المشاهدات ذات الدلالات الاجتماعية والفكرية والعاكسة لأحوال ومعتقدات وعادات الإنسان المصرى الفقير فى قرى الصعيد الجنوبية ، تلك الموروثات المتداخلة الممتزجة القادمة من الفرعونية والقبطية والتى صبت فى مصر الإسلامية محتفظة بالقديم ليتخذ صورته على ضوء الدين واللغة الجديدين ، لنحصل على شخصية بالغة التعقيد شديدة الغنى ، حضارية على الرغم من البساطة التى يتخذها المظهر الذى لا يشى ببعد الجذور وعمق الأغوار وهول مسافات المسيرة .

ما كنت أعتقد أو أتنبأ بحجم الاستجابة الجماهيرية لتلك المشاهد ، والارتباط الحميم بما كتبت ، وذلك الانتظار الأسبوعى لملحق جريدة الأهرام المعنون ( أيامنا الحلوة ) الذى أنشر فيه صباح كل يوم جمعة هذه القطع المجتزأة من ( أيامى الحلوة ) .

يعتقد البعض أنها " سيرة ذاتية " وهى بالطبع ليست كذلك ، فلقد عشت لا أؤمن ولا أصدق ما يسمى بالسيرة الذاتية ، لا أحب صراحتها الفجة ولا مواراتها الكاذبة ، لذلك لجأت لاقتطاع المشاهد الدالة من أيامى الماضية ، والتى تعطى صورة عن حياتى التى لا تخصنى وحدى أكثر مما تحكى عنى شخصيا . فمن المعروف أنى لم أولد وفى فمى ملعقة من ذهب ، بل كنت يوميا أقرب للموت منى للحياة ، ومع أنى كنت ألامس ذلك الموت فى كل لحظة بسبب ضعفى الصحى الشديد وضيق ذات يد الواقع من حولى عن ضخ أسباب النمو والمواصلة فى بدنى الهزيل . إلا أننى عشت حياة لم يعشها الأصحاء . استمتعت بطفولتى على عكس كل أبناء المدن الذين يحملهم ( الباص ) صباحا إلى المدرسة ، ويحملهم فى العودة إلى ( شقق ) أهاليهم . يرون الواقع من خلف زجاج الأتوبيسات ولا يتعاملون مع الحياة الحقيقية للبشر . كل صلتهم بالدنيا هذه النوادى أو شواطىء البحار صيفا ، ومن الصعب حين يكبرون أن يتذكروا تفاصيل ثرية لحياة ثرية .

أما نحن أبناء الطفولة الفقيرة العبقرية فإننا مدينون لفقرها بهذا الثراء الكبير الذى تمتلىء به أرواحنا وذاكراتنا ودفاتر الماضى والحاضر ليوحى كل ذلك إذا ما تذكرناه بما يشبه النية فى كتابة سيرة ذاتية .

كنت ومازلت أؤمن بما يتسرب خلال الإبداع من حكايا وصور تشبه السيرة الذاتية يحيطها الخيال وتلعب فيها الصنعة الفنية لعبتها ، مثلما فى روايات الطيب صالح وعبد الرحمن منيف وحنا مينا وغيرهم . ذلك يبعد الصراحة والإفصاح عن الخضوع الحرفى لأحكام الصدق والكذب التى نقيس بها سلوكات الأفراد ونمحص شهادات الشاهدين بنفس القسوة التى تتم أمام المحاكم ، ويبعدنا عن التشكيك فيما يقولون ، وفى صدق الروايات ، تقع عليها هنا أحكام صادرة عن القياس بمقاييس الأعمال الأدبية ذات القوانين الإبداعية الخاصة بعيدا عن الصدق والكذب بصوتيهما التقليدية .

لم أفكر يوما فى كتابة ( سيرتى الذاتية ) فلست ( نابليون ) أو ( هتلر ) أو ( بابلو نيرودا ) فأنا لا أتعدى أن أكون مواطنا بسيطا عاش فقيرا فى قرية اسمها ( أبنود ) ثم انتقلت إلى مدينة ( قنا ) لأعيش فى كنف والدى بعد طول فراق لتختلف الحياة قليلا عما كانت ، وما عدا ذلك هو رحلتى الخاصة .

ولأنى خرجت من القرية وكأنى عصارتها ، فقد حملت تاريخها وباطنها ووجهها فى الضمير – دون قصد – وسرت فى الحياة ، فإننى فى هذه المشاهد التى يحويها هذا الكتاب والتى سأحاول استكمالها فى جزء آخر ، إنما أحاول القبض على جوهر الروح ولب الفكرة التى تحكم حياة الإنسان المصرى الأصلى الذى لم يفقد الصفات القديمة للإنسان النيلى بعد .

إن طقوس الحياة والمعتقدات المتجسدة فى الفعل والقول والغناء بالذات تكشف عن قاع هذا الإنسان . تجعلنا نراه ونؤمن بقدراته الحضارية واحتفائه بهذه الحياة على الرغم من الفقر والمعاناة ، ولولا أن هذه الطقوس وذلك العناء كانا جزءا لا يتجزأ من إطار طفولتى ، امتزجت بى وامتزجت بها حتى صرت صاحبها ماكنت أجرؤ على الإفصاح عنها وتسطيرها أمام عيونكم دون خشية من معايرة أو خوفا من تقليل شأن . لكم الحب !!

عبد الرحمن الأبنودى

يوليو 2002




ليست هناك تعليقات: